أمس، كنت أستمع إلى مقابلة للكاتبة “إيزابيل أينديْ” من تشيلي، والتي حُملت قصصها إليّ مع تاريخها السياسي المعقد .. ولكن ما يهمني حقًا هو منظورها للكتابة..
هي تكتب بالإسبانية وتترجم كتبها لعدد من اللغات، أدرس من كتبها “منزل الأرواح” The house of the spirits وهو بحسب ما درسنا أول أعمالها والتي كان مهدها خطاب إلى جدها الراحل الذي منعها “المنفى” أو بمعنى أدق “السفر بسب المطاردة” من رؤيته في أخر أيامه..
عندما تحدثت عن قصصها وحبكتها قالت: “في بداية الكتابة يبدو وأنني أدخل إلى قاعة مظلمة، وأنير شمعة، فأبدأ أرى كل التفاصيل حولي، لهذا يشعر القراء أحيانًا أن قصصي تبدأ سطحية ثم تطور تباعًا.” “ماذا عن الشخصيات؟” “أكتبها بالبداية، ثم تبدأ هي لتنضج وترسم قرارها”
لا أدري لما جاء على بالي هذا الأمر عندما عدت لأقرأ قصة “وطن الحنين” التي كتبتها أمس، وتخيلت لو انطبقت تلك الواقعة على أشخاص حقيقيون هل ينضجون ويسعون لاتخاذ قرارهم بالشكل ذاته؟ كيف يمكن أن يكون الوجه الأخر للقصة؟ ماذا يملك الإنسان غير أن يواجه وأن يحارب في سبيل من يحب؟
ثم ناقشني أحد زملائنا الذين قرأوا القصة على منحنى أن من على الشاطىء هي “الوطن” ولكن ليست أنثى كما كنت أكتب أنا القصة، بل “الأرض”. وتساءلت غضبًا ربما بلا داعي وربما حملت الرجال أكثر مما يحتلمون، ولكنه كان سؤالًا: لماذا يعتبر الرجال أن التضحيات الاولى والأكبر والأجل عندما تخطر على قلب الرجل العربي أول ما تخطر على قلبه يجب أن تكون للأرض؟ وماذا عن ساكني الأرض؟
ربما ذات يوم تتغير أدبيات الرجال ويدركون معانٍ جديدة للوطن، فهناك على الضفة في قصتي كانت تنتظره امرأة تحبه، ولكن هل رآها؟ عندما كتبته رأيته أنه يرى في الوطن امرأة محبة يغرس في الأرض منها أبناءً يحبونه ويحبونها ويحبون الأرض ويعمرونها..
تساؤلات مريبة عند هذه النقطة اجتاحت نفسي، عن كينونة المرأة العربية إذا اطمئنت للحظات أنها لمن تحب وطن، إن قيل لها هذا، وإن رأت للحظة أن أي وكل تضحية تقدمها ستكون في محلها، كم سيشعر الرجل أنه في وطنه، وكم سيشعر بالأمان، وكم ستكون تلك رابطة مليئة بالحب والتفاني و”أصلها ثابت وفرعها في السماء”…
لم لا؟
أعود لكلمات “أينديْ” وأسأل لماذا قرأ زميلي القصة على اختلاف ما كتبتها أنا؟ وكيف لم ير الشخصية كما رأيتها ومن منظوري رغم أنني أنا من كنت أحمل الشمعة عندما كتبت ورسمت التفاصيل، ثم وجدت أننا ربما نحتاج أن نكون أكثر صدقًا عندما نكتب، ونكون أكثر جرأة في وصف التفاصيل، وعليه في حياتنا، أن نتصارح، ولا نترك للظنون والمخاوف بناء الحواجز بيننا…
وأخرج من كلمات “أينديْ” إلى “لتسكنوا إليها” في القرآن دام الأنبياء رحل، وأخرجوا ومن أيدهم من ديارهم، ولم يسكنوا إلى “أرض” أبدًا، بل سكنوا فيها بعضًا من الوقت ورحلوا، لكن عندما تحدث إليهم وإلى البشر جميعًا قال: “وجعلنا لكم من أنفسكم أزواجًا – لتسكنوا إليها”، نحن -الأزواج التي خلقت من أنفسهم ليسكنوا إليها – الوطن، السؤال يبقى، كيف لهم أن يعلموا ذلك؟ وكيف نكتبه نحن بصدق حتى يقرأوننا دون أن يعودوا لتفسيرهم الأول “الأرض”؟
القصة سبب البحث: موطن الحنين