علم الغلابة مثلهم مثلنا بوجود ثورة باسمهم قُرر لها تاريخ 11/11/2016، تم الدعوة لها من قبل مجهول، وتجسدت في دعوة إلكترونية عبر موقع يسمعون عنه من خلال التلفزيونات والراديو وربما لا يتاح لأغلبهم فرصة استخدامه. علم الغلابة مثلهم مثل الغرباء تمامًا، أن هناك ثورة باسمهم؛ اليوم.
وبعيدًا عن كون مصدر الدعوة لهذا الحراك مجهولًا، فهناك علامات استفهام كثيرة على مضمون الدعوة ذاته، المضمون الذي ينفي عنها كونها حراكًا لتحقيق أي مكسب اقتصادي. ولنجيب عن سؤالنا الأساسي في المقال، فلنبحث مقومات الحراك الاقتصادي الذي يهدف بالفعل لتحقيق مكسب ما للغلابة.
بداية، ليكون هذا الحراك اقتصاديًا ناجحًا يجب أن ينعزل عن المطالب السياسية وينحصر على مطالبات اقتصادية. وليكون ناجحًا يجب أن تكون هذه المطالب محددة، وللحراك قيادة واضحة يمكن التفاوض معها لتحقيق أقصى استفادة ولا يظل المطلب صوتًا تائهًا وسط الجماهير.
وليكون هذا الحراك اقتصاديًا ناجحًا يجب أن يكون ضمن الدائرة الاقتصادية للدولة، فلا يكون أبدًا يوم “إجازة رسمية” لجميع المصالح والجهات. فإن كان هذا الحراك اقتصاديًا يخاطب جهات من شأنها تحقيق مطالبه؛ فكيف يخاطبها في يوم إجازتها حيث يمكنها بسهولة الاحتجاب وتجاهله؟!
لو كان هذا الحراك اقتصاديًا بحق؛ هل من المنطقي أن يخرج من دوائر الاقتصاد إلى الشوارع في يوم تغلق فيه المصالح الاقتصادية؟ هل بعد 5 سنوات من الحراك في صورة تظاهرات والتداعيات الاقتصادية التابعة لكل حراك منهم يعقل أن ينادي حراكٌ اقتصاديٌ بالتظاهر؟!
كلا، لو كان هذا الحراك حراكًا اقتصاديًا بحق لاتخذ مكانه داخل المصالح الاقتصادية نفسها، ولتصدرته قيادات عمالية ونقابية وباتت له مطالب واضحة تكون متكافئة مع الواقع الاقتصادي وتساعد المتضرر على تجاوزه؛ لا أن تطالب بعكس الواقع الاقتصادي. بمعنى؛ ستطالب هذه التظاهرات بزيادة المرتبات وزيادة الدعم للمنتجات والسلع الأساسية، ورفع المعاشات، وربما توفير فرص عمل لمن يعانون من البطالة أو تقديم إعانة بطالة لهؤلاء حتى لا يتحولوا خلال ضراوة الكساد إلى عناصر تهدد أمن المجتمع وسلامته، وبالتأكيد اقتصاده.
أفضل الحراك الاقتصادي على مر التاريخ هو الإضراب عن العمل، ومن ثم الاعتصام داخل مقر العمل، وأفضل الحراك يكون بإجماع أعضاء المؤسسة على الإضراب أو الاعتصام فيكون واضحًا لأصحاب القرار أن هذا الحراك لا يمكن تهديده من داخله، ولا من داخل المؤسسة، ويكون أفضل الحراك كذلك مقدمًا للمجتمع بشكل يضمن دعم المجتمع لحق الإضراب للعامل؛ حيث لا يكون مهددًا بالرفض من المجتمع، أو مهددًا بتوافر بديل.
فعلى سبيل المثال يمكنك مراجعة الإضرابات العمالية الأشهر في العالم في فرنسا، وأبرزها الإضرابات العمالية في مجال النقل والمواصلات وهو أكثر المجالات حيوية في المجتمع؛ لا يتظاهرون في الشوارع بل يضربون في مقر عملهم، لا يتغيبون بل يقفون وقفة رجل واحد، ولا يتذمر المجتمع، بل يدعمهم بالتأقلم واحترام حقهم في حياة أفضل وظروف عمل أفضل. كما على نطاق الصعيد المصري يمكنك مراجعة إضراب المحلة والذي وإن حقق السقف الأدنى للمطالب فقد كان حراكًا اقتصاديًا منظمًا وناجحًا، إضافة إلى إضرابات متفرقة في مصانع ومؤسسات مصر بالمحافظات المختلفة وموانئ مدن القناة بعضها نجح في تحقيق أهدافه والبعض الآخر لم يفعل؛ لكنها في النهاية كانت حركات اقتصادية مؤثرة.
كما أن أفضل الحراك الاقتصادي لا يخاطب رأس الدولة، وبالتأكيد لا يخاطب الجهات الأمنية فيها؛ لماذا؟ لأنه إن تجاهل رأس الدولة هذه المطالب فلا أمل آخر في التصعيد، ولا سلطة أعلى لمخاطبتها. فالحراك الاقتصادي يجب أن يتدرج، وأن يكون لديه قدر المستطاع فرصة للتصعيد إلى سلطة أعلى ما لم تستجب السلطة المخاطبة؛ ففي النهاية هدف الحراك الاقتصادي يكون تحقيق مكاسب ملموسة ومؤثرة. وعلى ضوء هذا التوضيح يقف السؤال محيرًا: كيف يتوقع من حراك اقتصادي في مطلعه مخاطبة رأس الدولة، بل والمطالبة بإزاحتها وتسمية الحراك بالثورة؟! كيف سيحسن إزاحتها وضع أصحاب الحراك إذا تم؟!
وحتى لا تختتم التساؤلات بالإجابات السمجة الدائمة: “حسنًا، ليس حراكًا اقتصاديًا؛ بل هو سياسي بحت!”؛ فهذا الحراك ليس سياسيًا أيضًا، فالسياسيون كما “الغلابة” تمامًا، وجدوا الدعوة أمامهم من “مجهول”، ووجدوا جميعًا على اختلاف أيدولوجياتهم وتوجهاتهم في خانة رد الفعل ومنتظر منهم إعلان موقفهم بالمشاركة، الممانعة أو الحياد.
ختامًا، نقف اليوم جميعًا أمام دعوة من “مجهول”، دعوة لـ “ثورة” اقتصادية باسم “غلابة” مفعول بهم في دعوة باسمهم، دعوة استخدمت خلال الفترة الماضية للتنكيل سياسيًا واقتصاديًا بالجميع؛ دعوة من “مجهول”… فمن يا ترى ذلك المجهول الذي لم تأت دعوته سوى في صالح النظام؟! وكيف يكون الحراك الذي دعى له، بأي شكل، اقتصاديًا أو سياسيًا أصيلًا؟!