هذا المنشور منشور شخصي ومنشور على العام للتاريخ:
في سنة مرسي أتيحت لنا واستطعنا انتزاع مساحة واسعة من الحرية؛ أوسع من التي كانت لدينا وقت الثورة حتى. في مؤتمرات صحفية وبيانات وخطابات له من اول ٢ يوليو ٢٠١٢ وأنا غضبانة عليه وببقى نفسي اكون مستنياه برة أسأله ليه قلت كده، وكنت وقتها صغيرة يعني قد العيال الي بقول عليهم ولادي ويمكن أصغر.
أنا رفضت أنتخب مرسي.. الشخص الوحيد الي انتخبته في حياتي عايش في كندا دلوقتي وربنا يحفظ عليه عقله. رفضت انتخبه ودخلت كتبت في ورقة الانتخابات “بلا نيلة”. بس عمري ما عارضته غير علشان جملة مازلت بقولها لهم لحد دلوقتي “انتو محتاجين معارضة صادقة وأمينة؛ تنصحكم لأجل البلد وتنور لكم الـblind spots لأنه مهما كنا محترفين سواقة؛ مش دايما بنشوف كويس واحنا رايحين يمين” ومرسي كان سايق البلد.
الحظ والتوفيق جانبوه كتير وكنت مجتهدة جدا في دراستي علشان ارجع في اخر سنة بكل الي اتعلمته أقوله here’s a fresh mind.. I can help.. and I want to. لأنه مهما كنا من عكس التيار أنا بحب بلدي وده كان رئيسها.
للأسف الانقلاب كان منطقي بالنسبة لي، أنا كنت عارفة وشايفة تمرد قدامي ماشية ازاي وإعلانات المناطق الي كانت في اول الحملة كانت كفيلة تعرف اي حد مين دول وشغالين ازاي وخريطة واضحة لاي حد تابع انتخابات برلمانية قبل كده. ومن قبل تمرد بكتير وده شيء جليّ وواضح بس كان مرعب أنه ميتوقفش “كل ده”. الواحد فعليا كان شايف الانقلاب وشيك من شهر اغسطس ٢٠١٢.
بس لحد ما مرسي مشي احنا كنا أحرار، من يوم ٢٧ يونيو ٢٠١٣ كنت خايفة اسمع اي اخبار، وأما شفت بيان الانقلاب وقائد سلاح الطيران جنب السيسي قلت خلاص كده احنا موتنا رسمي؛ وكنت بلا مبالغة مرعوبة رسمي وكل تصرفاتي عكسي وبطلت اتابع اخبار لدرجة اني معرفتش انه في مذبحة حصلت يوم ٥ يوليو الا في نص الشهر مثلا.
احنا كنا أحرار لدرجة لو كان في مظاهرة واضرب قنبلة غاز كنا بنطلع بيانات صحفية وأنه اختناق ٣ ونقلهم للمستشفى بسبب القنبلة دي كان حدث جلل مرعب؛ دلوقتي لو خمسين اتصفوا في الأسبوع يبقى ربنا ستر ولله الحمد وآخرنا نعد في صمت!
أنا امتحاناتي كانت بعد فض رابعة؛ وبعيدا عن المنصة؛ خمسين يوم تقريبا من الاعتصام كشفت ايه الي كان ممكن الإخوان يقدموه لو كانوا اختاروا الناس الصح، وللأسف كان ممكن يقدموا كتير.
دخلت اول امتحان يوم ١٨ اغسطس مكنتش شايفة الأسئلة من الدموع وكان عندي رد جاهز على اي حد يسألني انه صاحبتي توفت وكان باقي لي على درجة النجاح ١٢ درجة، لو كنت قفلت الامتحان ده كنت هجيب جيد جدا. حليت ١٢ درجة وطلعت وانا فاكرة اني فعليا مكنتش شايفة والورقة اتبلت. قعدت يوم النتيجة مرعوبة مكونش جبت درجة النجاح؛ بس ربنا كان كريم. وكان يحق لي أعيدها وامحي الدرجة دي، بس دكتور التاريخ قال لي: في شواهد مفيهاش كسوف… مش هتفرق في المعدل قد ما هتحتاجي ترجعي لها وقد كان.
٢٠١٣ تبدو بعيدة اوي وده في حد ذاته شيء مرعب انه الراجل الي مات امبارح ده كان عايش حرفيا تحت الأرض وميعرفش نص الي احنا عارفينه؛ يمكن ميعرفش عن رابعة ربع الي احنا عارفينه! الراجل كان بيموتوه بالعدم وده كان رئيس الجمهورية المدني المنتخب الأول والأخير.
أنا معتقدش اني اقدر أقول اني كنت بحب مرسي، بس احنا ثرنا ضد مبارك بعد ١٢ سنة تعليم صورته في كل فصل دخلناه بشوفها اكثر من صورة جدي ونص الكتب الي قرأناها كان عليها صورة سوزان وكل رمضان كنا بنتغذى إعلانات الحزب الوطني والبيزنس بتاعهم. احنا ثرنا على كل شيء اجتهدوا يخلوه اصل في حياتنا. يوم حرق الحزب الوطني كانه ركن أساسي من الظلم في حياتنا خد لونه الحقيقي…. أسود.
بس مرسي مخدش الفرصة أنه يتحب؛ مخدش الفرصة لأي شيء تقنيا؛ بس بالذات الحب. مكنش راسخ في حياتنا أصلا، مكنش الزعيم ولا القدوة وبالنسبة لي ولاغلب الناس الي برة الإخوان كان في البداية مجرد ورقة بدل خيرت الشاطر وبعدين بقى رئيس الجمهورية الي قراره بيتغير كل ٢٤ ساعة. وفوق ده وده؛ سنة كاملة تشويه إعلامي! حتى وقت حلف اليمين الجرائد ال ايه نشرت اسم مبارك بالغلط بدل اسمه في كذا حاجة.
بس العبرة بالنهايات. الإخوان يمكن شايفين أنه علشان عاشوا ٦ سنين على “مرسي راجع” فهما كانوا ماشيين ورا الزعيم بس تقنيا مرسي مكانش يعرف عنهم حاجة.
العبرة بالنهايات؛ لأنه رغم أنه مكنش زعيم مغوار ولا بطل ولا فارس زي ما كل الروايات لتحتاج… إلا أنه كان صادق ودفع الثمن لأخره. قال ثمنها حياتي ودفع الثمن كامل. دفعه عايش… ٦ سنين أسوء من وحدة القبر؛ حتى الأسى الي بنتمسك بالأمل فيه بتاع “رسائل من الأسر” و”سنة أولى سجن” محصلش عليه… مكنش فيه عسكري واحد يناوله مياه ولا حد يلحقه لو اغم عليه!
العبرة بالنهايات لأنه مليون كيلو متر مربع تحت حكم العسكر ممنعوش صلاة الغائب عليه في كل مكان في العالم وممنعوش البكا والحزن والتعازي.
ممنعوش كل الي عارضه بصدق أنه ينعيه بصدق لأنه أصاب وأخطأ زي أي حد؛ لكنه من النادرين: أقسم وأبر.
٦ سنين من عمري حياتي اتشقلبت والحاجة الوحيدة الي باقية عليها من وقت مرسي اني لسة بتعلم؛ بس فقدت شغفي أني أرجع وأقول here’s a fresh mind.. I can help. لأنه دلوقتي عارفة أني عندي ما أقدمه؛ بس أنا عجزت في عز شبابي. I am no longer fresh. أتخمتني ٦ سنوات عجاف وجت ثورة السودان علشان تحط عليا تاني وترجعني الست سنين كلهم كأن رابعة بتتفض كل يوم. وبعد الست سنين دول الريس مات!
الريس مات من غير تفاوض ومن غير أي شيء ينذر بأي تغيير في أي اتجاه ومن غير ما يسيب اي شيء غير الرعب المستعر على مصير آلاف المعتقلين الي السجن بيموتهم في اليوم الف مرة خصوصا المرضى؛ إذا كانوا ملحقوش الريس هيلحقوا مين!
الريس مات ومات الشخص الوحيد الي كل روايات الإخوان بتقول أنه كل ما يروحوا لحد في السجن يقولوا له روح للرئيس.
الريس مات ومات الأمل في نهاية الوضع المزري الي عايشينه، مات أي أمل في مراجعات مستقبلية حقيقية بناء على خبرته الي مات بيها. مات الريس بدون ما ينقل شهادته والشعب سُلب جزء كبير من تاريخه.
الريس المدني الوحيد، الراجل الوحيد الي مننا بجد؛ مات ومعرفناش شاف ايه ولا ساب ايه ولا ازاي ميحصلناش الي حصله.
احنا عمرنا بيروح ومسروق مننا حقنا في عمر جاي… البلد دي بتموتنا وبتقتل فينا كل شيء.
عاصفة جوايا ومش قادرة أبكي من امبارح ومش قادرة أقول بصوت أسمعه حتى: الريس مات؛ لأنه وقع الكلمة مرعب.
بس الريس مات، ومات معه كل ما استطعنا إنتزاعه في ظله من حرية… والآن فقط نستوعب أبعاد سجننا….
كلنا بنموت.