لماذا نطهو؟ عودة لإنسانيتنا!

قدوتي المرأة ذات المصباح فلورانس نايتإنجيل

تماما في هذه اللحظة ضغط على CTRL + A + Backspace  وهو الاختصار المناسب لحذف كل شيء والآن، أبدأ معكم من جديد.

ذات يوم ذهبت للطبيب في محاولة جديدة يائسة للتعافي من الأنيميا – مازالت المحاولات مستمرة – وقال لي في نفاذ صبر، أعتقد أن الدواء لا يعمل لأنك تأكلين وحدك في النهاية. والدواء الذي يقصده هو فاتح شهية. وتابع، حتى لو اضطررت للاتصال بأصدقائك عبر الفيديو، لابد أن لك صديق ما في مكان ما؛ المهم أن لا تأكلي وحدك!

أذكر هذا الموقف والانبهارات – التي لم أتوقع أبدًا – تنهال عليّ بسبب طهيي. الانبهارات الأكبر في الحقيقة كنت لكوني أستطيع الطهي من الأساس، ناهيك عن ماذا أطهو أو كيف. تخيل أن يكون لك في كل بلد صديق، ولا أحد يعلم أنك إن دخلت مطبخًا مهما كان صغيرًا؛ يمكنك الخروج بوجبة دافئة أو قالبًا من الحلوى اللذيذة!

أتذكر بداية إضرابي عن الطهو والتهديد الذي نفذت أنه إن لم يكن الجميع حاضرًا في وقت الطعام فلا داع للطهي. أذكر الليالي التي جلست فيها أشاهد الطعام يبرد بسبب قناعة لدي بأننا يجب أن ننتظر حتى يجتمع الكل لنبدأ في الطعام.

لماذا اكتشف الجميع أني أطهو الآن؟ ببساطة لأن الجميع في المنزل، أخيرًا!

أؤمن أن الطهي هو نشاط مستمر ذو هدف سامٍ يبشر بالاستمرار والقوة ويمثل إنجازًا غريزيًا خاصة عندما تقدم الطعام لصغارك. هو إنجاز شخصي وإضافة إجتماعية لا يمكن لأحد سلبها منك. وهو مساحة لاسكتشاف ارتباط الإنسان بالطبيعة مرة أخرى، بطبيعته الحيوانية، الإجتماعية، الغريزية وكذلك بطبيعة الأشياء من حوله، الأطعمة وما يحدث إن خلطت هذا أو ذاك أو فصلت هذا أو طهوت ذلك على حرارة عالية أو سرعة منخفضة إلخ.هو مساحة واسعة للاسكتشاف.

كل ما نعرفه تم محوه في لحظة، أصبح مطلوبًا منك أن تبقى في المنزل الذي لم تلق له بالا كثيرًا سابقًا لأن هناك عمل سيستهلك يومك، وأن تبقى بصحبة أسرة لم يكن لديك وقت كافٍ لتقضيه معهم ونفسك؛ عقلك الذي استنزف طويلًا في السنوات السابقة من الركض وراء الدراسة والعمل، إلخ! أصبح مطلوبًا منك أن تعود إنسانًا لا آلة، لا ترسًا من تروس الآلة.

لهذا أطهو! أتمنى بوجبة غنية بالمذاق أن أعيد من أحبهم إلى معاني الجمال، أن أغويهم بقوام الطعام فيستردوا من إنسانيتهم الكثير مما فقد  مع الأكلات السريعة على الطريق؛ أن أغريهم بالدفئ، وارتباط الإنسان المتوارث بالنار… أخبرهم أنهم الآن قد عادوا إلى البيت، إلى الوطن!

لولا الخوف المحدق بنا من كل ناحية لقلت إننا حقًا يمكننا الإطمئنان أن لنا فرصة في هذه الهدنة لنعود سيرتنا الأولى… كل أملي، أن ننتهز ما يمكننا منها، ليعيننا في مواجهة الخوف وفي مواجهة أيًا كان ما تطويه الأيام…

IMG_5665.jpg
هذه الأكلة البسيطة هي للجبن المشوي والتوت الأزرق؛ أكلة دافئة مشبعة وغنية بالقيم الغذائية.

الرقة والنعومة وجراتان اللحم Beef Gratin

الخبز 101… «العيش البلدي المصري» والمحبة الصافية