مشهد (1)
كالعادة بنغلس على أحد زملائنا واحنا بشتغل من 3 دول متفرقة عن بعض، أحدنا مع الزميل “المُغلس عليه” يتذمر من رؤيته كل يوم – وكلاهما في الغربة؛ فيتدخل زميل أخر من مصر يجبر الخواطر ويقول “معلش يا محمود، الي ميعرفش قيمتك يجهلك”
مشهد (2)
مجموعة مشاهد مرتبطة بشخصية من ساعة ما بدأنا نتعامل ومحور اهتمامه هو زمايلنا المعتقلين ومين محتاج ايه وامتى ومين جلسته ازاي ومين قضيته حصل فيها ايه. “مُثقل” وقليل الكلام عن همومه وكلامه عن الفرح مبهج.
مشهد (3)
ننتعرف على شخصية جديدة بسبب أعمال ملفتة للنظر ليها، نعرف أنه الشخصية دي كانت اعتقلت وخرجت وقدرت تخرج من البلد، وبعدين كل عملها الي “بيضحك” الناس ده ناتج عن فقد وحب، الناس تضحك وانت تبتسم بحنين لحاجات انت عارفها مع انك بعيد عنها من سنوات – طويلة، بس عارفها. تنشر الشخصية دي البهجة وانت – كمغترب مش قادر يرجع زيها – مدرك تمامًا مدى الخنقة الي بتطلع كل الضحك ده.
مشهد (4)
أتكاسل بل وممكن نقول استهبل في إدارة احكيلي عن شهيد منذ اعتقال طارق – الي بيتابع كل حاجة قيلت واتعملت عن وعلى الصفحة من ساعة اعتقاله ولا كأنها بنته – فتطلب من أحد الشباب، خل من خلّان الشهداء، أن يساعد في المهمة، فتقص عليّ عدد من القصص، واتوقف أمام شيء واحد متكرر في كل القصص، مدى الترابط الأخوي الرهيب بين الشهداء وبعضهم البعض وبين أصدقاءهم ممن “ينتظر”.
مشهد (5)
أنام مبكرًا، أنعزل بشكل شبه تام عما يحدث في الوطن لساعات ثم أذهب للجامعة وفي الطريق لمبنى الكلية أقول لسلمى ونحن نمشي: “الولاد الي بيسهروا يراعوا حاجات اصحابهم المعتقلين بتفاصيلها دول هيدخلوا الجنة، ربنا مش هيرضالهم غير الجنة”
مشهد (6)
ترتبط كل المشاهد السابقة مع شخصية وترحل، تكتشف رحيلها الذي نام عليه الجميع باكين، منتحبين، وتستيقظ عليه، تجد من كان كتومًا يبوح ومن كان يبوح يكتم وتكاد تسمع صوت أنين كلاهما رغم الأميال، تكاد ترى الدموع وهي تترك محاجر العيون وترى الأثر..
تجد أحدهم يكتب “والله سيبقى أثره” وعلى إثرها تقص آثاره…
مشهد (مستمر)
تبدأ الحكايات في التتالي، وتدرك أن هذا الموت إنما بعث معه من خبايا الحب ما لم نكن لنعلمه لولا الفجيعة، حب الإخوة وحب الوطن، وحب العلم، وحب العطاء، تدرك “الأثر” وتدرك قيمة دعاء “رب اقبضني يوم أتم مهمتي التي صنعتني من أجلها” وتشعر بأن هم المطاردة الذي سبق الرحيل لعام كامل كلل بالنوم – إن شاء الله – قرير العين!
يترك مخطوبته التي تملك من الصيت الحسن بين صديقاتها كصيته، وعائلة كاملة مكلومة، قبل أيام من “فرحته”، ويرحل…
ورغم عدم معرفتي الشخص سوى من كتاباته قبل أسابيع من رحيله، إلا أن رحيله بعث من الحزن فينا كمًا لا يطاق…
هامش (0)
لو كتب لإخوة (من إخوان) الدقهلية كتابة سيرة بعضهم بعضًا لتعلمنا منهم من الحب في الله ما لا يعلمه أحد…
اللهم إنك تعلم عظيم فقدهم وفجيعتهم فاربط على قلوبهم ووثق اللهم رابطتهم وأدم ودهم واهدهم سبلهم واملأهم بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورهم بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيهم اللهم بمعرفتك، وأمتهم على الشهادة في سبيلك؛ فإنك تعلم أنهم قد اجتمعوا على محبتك وطاعتك ودعوتك ..
اللهم إنك تعلم أن فيهم من حرمه الظلم الصلاة على أخيه والسير في جنازته، يا رب إنك تعلم أن منهم من حرمه الاعتقال من رثاء أخيه، والصلاة عليه، والسير في جنازته وإيداعه مثواه الأخير، يا رب ومنهم من حرمتهم المطاردة والشتات؛ فانتقم لهم يا رب ممن ظلمهم وظلم أخيهم من قبلهم واجبر كسرهم وقر أعينهم ولا تحرمهم أجره
يا رب هون ..
يا رب اجمعهم بحبهم لك وفيك في عليين يا رب العالمين وارزقنا حبًا لك وفيك كحبهم واصنعنا على عينيك….
رحم الله م. أحمد شقير وأدخله الجنة بغير حساب وحفظ اخوته وأحباءه أينما كانوا
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إنا لله … وإنا إليه راجعون