بمناسبة بقى حالات الوفاة الكتير*، أنا كل الي طالباه أنه محدش يجيب سيرتي بعد ما أموت إلا بينه وبين نفسه أو بينه وبين الدكتور النفسي بتاعه لو أخيرًا آمن بأهمية مراجعة الأخصائىين..
مش عايزة حد يعرف أني مت في وقت موتي، يمكن بعدها وقت ما أهلي والقريبين ياخدوا وقتهم أنهم يستوعبوا ده بدون ضغط، بدون بكاء حد ميعرفنيش يخضهم، بدون ما يضطروا يردوا على ألف تعزية، بدون ما يسمعوا نميمة ملهاش داع ولا يلاقوا ناس حواليهم بتعمل حضور وانصراف، وبالتأكيد بدون ما يضطروا يضايفوا ألف حد وهما في عز حزنهم.. أنا اتعمل لي فرح ولبست فيه أبيض وده كان للعامة؛ وفاتي أفضل أنها تفضل شيء خاص قدر الإمكان…
سلمان وخالد المفروض أنه الي يقدروا ياخدوا الأكاونت بعد ما يثبتوا لفايسبوك وفاتي فساعتها ممكن يبقو يسيبوا دعاء من عزيزي قارئ هذه السطور..
لو حد افتكرني وعايز يعمل لي خير يتصدق عني خفية..
الحالة الوحيدة الي أتمنى تتكلموا عني فيها هي لو قابلتوا بناتي.. قولوا لهم دايمًا أني كنت بحبهم أكثر مما وصف الحب في كل العالم، وأني كنت بستحي أكتب عنهم لعظم مشاعري تجاههم، وأني أحببتهم بكل تفاصيلهم الي أنا أخدت الوقت الكافي وأكثر لأنه مفيش وقت بيتحس وأنا حواليهم علشان أنتبه لها وأني مؤمنة بجمالهم وأنه أنا سعيت بكل ما أوتيت من طاقة أوفر لهم حياة يحيطها الحب وأنه أنا مؤمنة تمامًا أنهم يستحقوا الحب ويستحقوا كل جميل من الدنيا.. وأنهم ما تمسكوا بالصدق (مع نفسهم، ربنا، والناس) والحب (لنفسهم، لربنا وللناس) هيكونوا بخير ونضاف ورغم أنه ده مش هيحميهم من غدر الدنيا؛ لكن هيحميهم من أنهم يخسروا نفسهم.. وأنه دي وصيتي لهم من قبل حتى ما يتكونوا جوايا.
دي أهم حاجة عندي في الحياة أنه بناتي يناموا كل يوم حاسين بالحب، ومتأكدين أنه الحب ده صادق!
وصيتي ساعتها لخالد ولأهلي وأصدقائي أنهم ياخدوا حقهم في الحزن، ميخزنهوش، ميدفنهوش وميداريهوش.. يستسلموا للحزن لأنه مفيش طريق يعديهم منه غير لو عدوا من خلاله.. وأنا عايشة ولامسة صدق حبكم وعارفة قد ايه هيفرق لو مشيت ومن دلوقتي بقول لأي حد بيحبني علشان لو اليوم ده جه.. ادي نفسك حقها من الحزن.. عليا وعلى كل شيء آخر.. احزن بطريقتك، بس متهربش.
أنا مش عايزة أدفن في غرفة باردة تحت الأرض، أنا عايزة أدفن في التراب بجد، ومش عايزة ورد أنا محظوظة أني جالي ورد في الدنيا.. بس هحب يتزرع في نفس التراب ده شجرة أو نبتة، شيء حي يركن إليه الأحبة ويظللهم لما يفتقدوني.
*****
في لحظة كتابة هذه السطور أنا أزعم أني خدت من الدنيا كل شيء، عشت الحلو والوحش واتعلمت وأنا لو اطلب مني صفة واحدة أعرف نفسي بيها فأنا «طالبة علم» ما حييت؛ أنا بتعلم من بناتي كل يوم، من خالد، ومن ماما وبابا واخواتي، ومن الدنيا كلها.. بتعلم من الغرب، ابتسامات الغريبين ودموعهم الهربانة وسلامهم العابر وحكاياتهم أحيانًا.. بتعلم من كل شغل اشتغله أو بشتغله وبتعلم من كل حد اشتغلت معه سواء كان مدير لي أو زميل أو كنت – يال حظي دومًا – مديرته.
رأيت في الدنيا رحمة ربنا ومحبته وحكمته وبجتهد أراقبه ما استطعت وبختلي بنفسي كل ما أقدر علشان أراجعه.. أكاد أزعم أني رأيت الله في تفاصيل الدنيا بس البعض بيعتبره تكبر؛ فبلاشه.. لكن الله موجود وعليم محيط!
إرثي في الدنيا كتب.. وحب.
وأخيرًا؛ أنا لم أقل لحد أني بحبه قط وكذبت.. وأحيانًا لم تسعفني اللحظات أني أعبر عن حبي بكلمات واضحة؛ لكن لو حد حسها مني فليتأكد من صدق إحساسه.
أكثر دعاء بحبه وقت الوفاة هو أن يكرم الله المتوفي برحمته ومحبته وحنانه ويحسن عزاء أهله ويغمرهم برضاه ومحبته ويرحم ضعفهم ويحيطهم بحنانه.. أكثر دعاء بكرهه هو أن يُدعي للمتوفي بأن يبدله الله أهلًا.. إلخ.. فيا ريت ادعوا لي ولأسرتي وأهلي وأحبتي بما أحببت ومتدعوش لي أبدًا بالدعاء الذي كرهت وخصوصًا أمام بناتي أو خالد أو ماما وبابا واخواتي أو أي حد من أهلي.
لا تنعوني.. فقد عشت حياتي ويكفيني حين أفكر في الموت أن أدرك أني عشت حياة حقيقية ولم أعش يومًا في زيف… يا رب بارك في أمي وأبي أنهم أحسنوا تربيتي واخواتي لأنهم أحسنوا صحبتي وزوجي لأنه أحسن عشرتي وصحبي لأنهم كانوا نور على كل درب والعابرين لأنهم مهمين أكثر مما يدركون.
يا رب بارك في بناتي.. فهن الروح لروحي.. والدليل حين أتوه.. والحياة حين أذبل.. والضوء حين تظلم.. وأن كل حزن يزول بضمة.
يا رب اغفر لي ولأحبتي ما تقدم وما تأخر وأحينا وأمتنا من الصادقين.
آمين
*هذه الخاطرة شخصية جدًا.